إجراءات التسوية الوقائية وإعادة التنظيم المالي: أدوات نظامية لإنقاذ المنشآت

 لا توجد تعليقات

مقدمة:

في ظل تنامي التحديات الاقتصادية والتقلبات السوقية، تواجه العديد من المنشآت التجارية في المملكة العربية السعودية أزمات مالية قد تؤثر على استمراريتها. ولهذا، أقرّ نظام الإفلاس السعودي أدوات نظامية مبتكرة تهدف إلى تمكين المنشآت من تجاوز تعثراتها قبل الوصول إلى مرحلة الإفلاس الكامل. وتُعد كل من إجراءات التسوية الوقائية وإعادة التنظيم المالي من أبرز هذه الأدوات، حيث تُوفر للمدين فرصاً نظامية لحماية أصوله واستعادة توازنه المالي تحت إشراف المحكمة المختصة.

 

تعريف التسوية الوقائية وفق نظام الإفلاس السعودي:

التسوية الوقائية هي إجراء نظامي يُمكن المدين، الذي لم يصل بعد إلى حالة التعثر المالي، من التقدم إلى المحكمة بطلب إعادة جدولة ديونه وتفادي الانهيار. يهدف هذا الإجراء إلى التوفيق بين المدين ودائنيه دون المساس بإدارة المنشأة. ويشترط في طالب التسوية أن يكون في وضع مالي صعب، لكن لا يزال قادراً على الاستمرار في إدارة أعماله دون تدخل مباشر من جهة خارجية.

 

متى يحق للمنشأة طلب التسوية الوقائية؟

يُشترط في المدين أن يكون غير متعثر فعلياً وقت تقديم الطلب، وأن يكون معرضاً فقط لاحتمالية التعثر. كما يشترط أن يقدم المدين خطة تسوية واضحة، وأن تكون لديه بيانات مالية شفافة، بما في ذلك القوائم المالية للسنوات السابقة. ويجب ألا يكون هناك إجراء إفلاس مفتوح ضده لم يُغلق بعد.

 

الهدف من إعادة التنظيم المالي في القانون السعودي:

على عكس التسوية الوقائية، تُطبّق إعادة التنظيم المالي في حالات التعثر الفعلي أو التهديد الجسيم بالتعثر. وتهدف هذه الأداة النظامية إلى إعادة هيكلة الديون والالتزامات المالية للمدين بما يسمح له بمواصلة أنشطته التجارية بشكل منظم. يشرف على هذا الإجراء “أمين إعادة التنظيم المالي” ويشارك الدائنون في إعداد واعتماد الخطة.

 

الفرق الجوهري بين التسوية الوقائية وإعادة التنظيم المالي:

تختلف التسوية الوقائية عن إعادة التنظيم المالي في عدة نقاط جوهرية. ففي حين أن التسوية مخصصة للمدين الذي يواجه صعوبات مؤقتة ولم يصل بعد إلى مرحلة التعثر، فإن إعادة التنظيم المالي تُطبّق على المنشآت المتعثرة فعلياً أو المهددة بالتعثر بشكل مباشر.

من ناحية الإشراف القضائي، تخضع التسوية الوقائية لإشراف أخف مقارنة بإعادة التنظيم المالي التي تتطلب تدخلاً أكثر تفصيلاً من المحكمة التجارية. كما أن دور الدائنين في التسوية يكون تشاورياً، بينما يشترط النظام مشاركتهم الفعلية في التصويت على خطة التنظيم المالي واعتمادها بالأغلبية.

وفي التسوية الوقائية، لا يُشترط دائماً تعيين أمين، بينما يكون تعيين الأمين إلزامياً في إجراءات إعادة التنظيم المالي. بالإضافة إلى ذلك، تتيح إعادة التنظيم المالي صلاحيات أوسع لإلغاء بعض العقود أو إعادة ترتيب الالتزامات القانونية، وهي صلاحيات لا تتوفر في التسوية الوقائية. وأخيراً، تكون احتمالية التحول إلى التصفية أعلى في حالات فشل التنظيم المالي مقارنة بالتسوية الوقائية.

 

الشروط النظامية لقبول طلب التسوية الوقائية:

تتطلب التسوية الوقائية تقديم طلب مستوفي للبيانات أمام المحكمة المختصة، مرفقاً بخطة تسوية وقوائم مالية مُراجعة ومعلومات عن الدائنين والالتزامات. كما يجب إثبات أن المدين لا يزال قادراً على الاستمرار في تشغيل المنشأة. في حال رفض المحكمة الطلب، يجوز للمدين التظلم وفقاً للإجراءات النظامية خلال المدة المحددة.

 

الشروط النظامية لإعادة التنظيم المالي:

يتعين على المدين إثبات وجود تعثر فعلي أو تهديد مؤكد بالتعثر، مع تقديم خطة واضحة لإعادة الهيكلة، تشمل جدول الديون، ومقترحات السداد، وتفاصيل تشغيل المنشأة أثناء الإجراء. ويكون تعيين الأمين إلزامياً ويشرف على كامل العملية. كما يُعرض المشروع على الدائنين للتصويت ويُرفع إلى المحكمة لاعتماده.

 

دور المحكمة المختصة في الإجراءات التنظيمية:

تقوم المحكمة التجارية المختصة بدور محوري في إدارة هذه الإجراءات. ففي التسوية الوقائية، تتلقى المحكمة الطلب وتتحقق من استيفاء شروطه ثم تُصدر قرار القبول. أما في إعادة التنظيم المالي، فتُعين المحكمة الأمين، وتُشرف على سير الإجراءات، وتفصل في اعتراضات الدائنين، وتُصدر القرار النهائي بالموافقة على الخطة أو فتح إجراء التصفية.

 

جدول الديون: خطوة أساسية في إعادة التنظيم المالي

يُعتبر “جدول الديون” أحد الأعمدة الأساسية في خطة التنظيم المالي، إذ يُبيّن الالتزامات المالية للمدين، وتصنيف الدائنين، ومبالغ الاستحقاقات، وآلية السداد. كما يُستخدم هذا الجدول كأساس للتصويت من قبل الدائنين، ويُعتمد من قبل المحكمة لضمان العدالة والتوازن بين جميع الأطراف.

 

حماية المنشأة أثناء الإجراءات: تعليق المطالبات والدعاوى

بمجرد قبول المحكمة لطلب التسوية الوقائية أو إعادة التنظيم المالي، تُعلّق تلقائياً جميع المطالبات والدعاوى القائمة ضد المدين. ويُمنع التنفيذ على أصول المنشأة خلال فترة الإجراءات، مما يوفّر بيئة آمنة قانونياً لإعادة الهيكلة ويمنع استنزاف الأصول الحيوية.

 

التزامات المدين النظامية أثناء التسوية أو التنظيم:

يلتزم المدين خلال سير الإجراءات بالتعاون الكامل مع الأمين والمحاسبين القانونيين، وتقديم كافة الوثائق المطلوبة، والامتناع عن القيام بأي تصرف مالي جوهري دون موافقة المحكمة. كما يُلزمه النظام بالشفافية الكاملة في عرض المعلومات على الدائنين والأطراف المعنية.

 

 

مشاركة الدائنين ودورهم في التصويت على الخطة:

يتم تقسيم الدائنين إلى فئات وفقاً لطبيعة مطالباتهم، وتُعرض عليهم خطة التنظيم للتصويت. يُشترط لقبول الخطة موافقة أغلبية عددية ومادية من كل فئة. وفي حال عدم موافقة إحدى الفئات، يجوز للمحكمة استخدام ما يُعرف بـ”الاعتماد القسري” وفق شروط صارمة، إذا رأت أن الخطة تحقق مصلحة جماعية مشروعة.

 

الآثار القانونية لفشل أو نجاح الخطة المقدمة:

في حال اعتماد الخطة وتنفيذها بنجاح، تستمر المنشأة في نشاطها وتُبرأ من التزاماتها وفق الجدولة النظامية. أما إذا فشلت الخطة، أو لم تحظَ بموافقة المحكمة أو الدائنين، يجوز للمحكمة فتح إجراء التصفية وفقاً لما ورد في نظام الإفلاس السعودي. ويعد هذا التحول بمثابة المرحلة الأخيرة بعد فشل أدوات الإنقاذ النظامية.

 

خاتمة: متى تكون التسوية أو التنظيم الخيار الأفضل للمنشآت؟

تُعد التسوية الوقائية وإعادة التنظيم المالي من أقوى الأدوات الوقائية التي يوفرها نظام الإفلاس السعودي لحماية المنشآت من الانهيار الكامل. ويُنصح أصحاب المنشآت بالتوجه إلى هذه الخيارات مبكراً قبل استفحال الأزمة. وتظل الاستشارة القانونية المتخصصة عاملاً حاسماً في ضمان نجاح هذه الإجراءات وتحقيق التعافي المالي المنشود.

 

الأسئلة الشائعة (FAQ):

  1. ما الفرق الأساسي بين التسوية الوقائية وإعادة التنظيم المالي؟
    التسوية تُطبق قبل حدوث التعثر، بينما التنظيم يُطبق في حالة التعثر الفعلي أو الوشيك.
  2. هل يمكن للمحكمة رفض خطة التسوية أو التنظيم؟
    نعم، إذا لم تستوفِ الشروط النظامية أو لم توافق عليها الفئات المطلوبة من الدائنين.
  3. هل تشمل الإجراءات الشركات الأجنبية؟
    نعم، طالما أن الشركة مرخصة داخل المملكة وخاضعة للأنظمة السعودية.

مقالات ذات صلة

أترك تعليق